بقلم المهندس/ طارق بدراوى ** حي زيزينيا **
حي زيزينيا من الأحياء الراقية في مدينة الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر وهو يقع في منطقة الرمل بين منطقة جليم ومنطقة جاناكليس وحي سان ستيفانو ويمتد حي زيزينيا شمالا إلى طريق الكورنيش ويقطع الحي خط ترام النصر وكذلك طريق الحرية ويمتد حي زيزينيا جنوبا حتى آخر شارع إبراهيم العطار و شارع رياض ويقع إلي الجنوب منه حي باكوس وينتمى حي زيزينيا إداريا إلى حي شرق الإسكندرية وكانت تلك المنطقة تمتلك عائلة تسمي عائلة أبو شال مساحات شاسعة من أراضيها وقامت ببيعها في أواخر القرن الـتاسع عشر الميلادى للكونت اليوناني إستيفان زيزينيا وبالطبع فهي لم تكن تعلم أن المساحات التي باعتها من أرض تلك المنطقة ستصبح أرقى أحياء الإسكندرية في غضون سنين قليلة فبعد أن بنى إستيفان زيزينيا قصره في تلك المنطقة تحولت المنطقة إلي حي يشمل إمبراطورية من القصور والفيللات الفخمة التي تقطنها كبرى العائلات الأرستقراطية الثرية في مصر والعالم العربي فبعد مرور فترة من الزمن باع الخواجة زيزينيا جزءا من الأرض التي كان قد إشتراها من عائلة أبو شال إلى الحكومة المصرية وذلك لمد خط ترام إلي المنطقة وبعد مد الخط بدأت المنطقة في العمران وعرفها الناس وأقاموا بها فسميت المنطقة بحي زيزينيا نسبة إلى صاحب المنطقة الأول وهو ذلك الإسم الذي يطلق على الحي إلي وقتنا هذا …..
وكان إستيفان زيزينيا قد وقع في غرام هذه المنطقة المرتفعة برمل الإسكندرية فكان أول الأجانب الذين سكنوا تلك المنطقة وبنى قصرا مهيبا يشبه قصور ألف ليلة وليلة بها في حين أن باقي سكانها كانوا من الأعراب ويرجح أن زيزينيا كان قد جاء إلى مصر هربا من مذابح الأتراك وعمل بتجارة القطن وكان أحد المقربين من الأسرة العلوية حيث منح أراضي كثيرة في القطر المصري ومن أعماله في مصر أنه قد شيد كنيسة سان ستيفانو التي تهدمت في ثمانينيات القرن العشرين الماضي وكذلك كازينو سان ستيفانو الشهير في عام 1887م وقد بدأت العائلات الكبيرة الثرية بعد بناء زيزينيا لقصره في بناء قصور وفيلات فخمة في هذا الحي حتي أصبح يتكون في البداية من عدد قليل من القصور الفاخرة وسط العديد من الكثبان الرملية ومجموعات من الأعراب الذين كانوا يستوطنون في تلك المنطقة وكانت به أراضي فضاء شاسعة مخصصة للعب كرة القدم لطلبة المدارس الأجنبية في أوائل القرن العشرين الماضي ثم أخذت تلك القصور والفيلات الفاخرة تتزايد أعدادها تدريجيا بعد ذلك علي مر السنين وقد تحول قصر زيزينيا إلى فندق جلوريا أوتيل بعد ذلك ثم إشتراه الأمير محمد علي توفيق نجل الخديوى توفيق وأعاد بناءه عام 1927م في عهد عمه الملك فؤاد وأطلق عليه إسم قصر الصفا وهو الإسم الحالي له والذي دخل ضمن القصور الرئاسية وهو معد لإستقبال ضيوف الرئاسة أو كبار الوزراء ورجال الدولة أثناء وجودهم في الإسكندرية ويعد من أهم معالم الحي …..
وكذلك يقف على مقدمة الحي من جهة الكورنيش قصر أنيق آخر هو قصر عائشة فهمي ويليه قصر مظلوم باشا ومكانه حاليا كليه الفنون الجميلة ثم قصر عدلي يكن باشا رئيس مجلس وزراء مصر عدة مرات في العشرينيات من القرن العشرين الماضي ومن معالم الحي أيضا نجد قصرالأميرة فاطمة الزهراء حفيدة محمد علي باشا والذي كانت تتملكه وإتخذته مصيفا لها ثم أصبح الآن متحفا للمجوهرات الملكية والذى أصبح في الوقت الحالي يعتبر أهم وأثمن متاحف مصر بما يحتويه من كنوز وقد شيد القصر المعماري الإيطالي الكبير أنطونيو لاشياك والذى ذاع صيته في مصر في أواخر القرن التاسع عشر الميلادى وأوائل القرن العشرين الماضي وقام بتصميم وتنفيذ العديد من القصور والمنشآت الهامة مثل قصر الأمير يوسف كمال بحي المطرية بالقاهرة وقصر سعيد باشا حليم بشارع شامبليون بالقاهرة وعمارات الخديوى الشهيرة بشارع عماد الدين بالقاهرة والمبني الرئيسي القديم لبنك مصر بشارع محمد فريد بالقاهرة وقد شاركه في تصميم هذا القصر المهندس المعمارى المصرى الكبير علي فهمي وقد بلغت مساحته حوالي 4185 مترا مربعا …..
وحقا فإن السير في شولرع حي زيزينيا يعد نزهة جميلة محببة ومريحة للنفس حيث تندر به المحال التجارية حتى إن السير في انحائه يكاد يشبه السير في ضاحية بيفرلي هيلز بأمريكا من حيث روعة وجمال الحدائق الخاصة التي تحيط بفيلاته وقصوره كما يلمح من يتجول في أنحاء الحي تفاصيل العناصر والزخارف المعمارية التي تعلو قصور الحي التي سكنها في الماضي أمراء الأسرة العلوية إلى جانب من استوطن مصر من الجاليات الأجنبية من الإنجليز والإيطاليين واليونانيين وغيرهم كما أن حي زيزينيا يتميز بعدم وجود زحام سوى من بعض الأفواج السياحية التي تأتي لزيارة قصر أو متحف المجوهرات الملكية والذى يعد تحفة معمارية فريدة تضم 11 ألفا و500 قطعة ويضم مجموعة تحف أثرية تخص محمد علي باشا ومجموعة جواهر الأميرات من بناته وأحفاده ومعظمها مشغولات ذهبية ومرصعة بالماس ومجموعة الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق والزوجة الأولى لشاه إيران رضا بهلوي …..
وقد يكون تاريخ وطابع ونوعية سكان هذا الحي هي الأسباب والدوافع التي الهمت الكاتب والروائي الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة ليؤلف مسلسل زيزينيا الذي إستلهم أبطاله وشخوصه من العائلات التي كانت تقطن الحي وقام بتجسيد المجتمع السكندري في وقت الحرب العالمية الثانية كما كانت الأسباب نفسها هي من ألهم شاعر القطرين خليل مطران رائد الإتجاه الرومانسي في الشعر العربي بتأليف العديد من قصائده حيث كان يتردد على صالون الكسندرا أفرينو بقصرها في حي زيزينيا وكان أهم صالون ثقافي أدبي يجتمع فيه صفوة الأدباء ومنهم فيلكيس فارس وإيليا أبو ماضي ونجيب الحداد وأمين الحداد وإسماعيل صبري وكانت الكسندرا أفرينو هي صاحبة مجلة أنيس الجليس ولا يزال قصرها موجودا في ناصية مواجهة لقصر المجوهرات الملكية ويمكن تمييزه من طرازه المعماري الفريد وأسطح القصر المغطاة بالقراميد الأحمر والزخارف المعمارية الرائعة التي تعود للعصر الفيكتوري ومن القصور الشهيرة المتميزة الباقية أيضا بالحي قصر عائلة مونتزيني الفرنسية – الإيطالية والتي هاجرت من مصر إلى قارة أستراليا …..:
وكذلك تعد شوارع حي زيزينيا العريق متحفا مفتوحا يزخر بالعديد من أنواع السيارات الأميريكية عتيقة وفارهة الطراز من فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين الماضي من طراز البويك وكاديلاك وشيفروليه وبونتياك وكأنها جولة في إسكندرية الأربعينيات وذلك فضلا عن القصور الفاخرة التي تزين أرجاء الحي السابق الإشارة إليها ويضاف إليها روعة وبهاء وجمال مسجد أحمد يحيى باشا الذي تم تشييده سنة 1920م بالحي في عصر الملك فؤاد فهو تحفة معمارية إسلامية فريدة بمئذنته وقبته وواجهاته ونقوشه وزخارفه كما يوجد بالحي أيضا مقر الإقامة الدائم لمحافظ الإسكندرية والمعروف بإسم إستراحة المحافظ …..